الخميس، 22 أكتوبر 2015


الحاج اسحق إبراهيم سبيل شيخ بخت
1918- 2010

النشأة

نشأ الحاج اسحق طفلا فى الجزيرة ابا مع والده الذى اعتنى به عناية فائقة كونه الطفل الوحيد لوالديه، غير انه فى إطار نظام الاسر الممتدة لا يكاد أحد يحس بأنه طفلا وحيد. ومن مظاهر ذلك انه بعد ان تعلم القرآن فى الخلوة اجتهد والده لالحاقه بالمدرسة الاولية فى الجزيرة أبا، غير ان النظام الاجتماعى فى تلك الفترة لم يكن يسمح لابناء "العمال" - وهم الفئة المنقطعة لخدمة أبناء المهدى فى شركة دائرة المهدى – لم يكن مسموحا لابناءهم الالتحاق بالتعليم النظامى المدرسى. زامله فى الخلوة الامام الهادى المهدى، عبد الله احمد ابو حسنية، وتدخل خاله ادريس حسن المنتمى ل "لانصار": وهم الفئة الاجتماعية الاخرى الملتزمة بالمهدية فكرا ومنهجا وليست بالضرورة منقطعة لخدمة دائرة المهدى، تدخل الخال ادريس لدى مدير المدرسة للسماح لابن أخته الالتحاق بالمدرسة التى يدرس فيها ابنه "بشر إدريس حسن" والد يحى بشر أمد الله فى أيامه، زامله فى الدراسة "عمه" شريف عبد الله جامع، بشر ادريس حسن، بشرى أنس وتخرج من المدرسة فى اوائل الثلاثينات  . كبقية أقرانه من ابناء العمال انضم الطفل اسحق الى "النظام" وهو التنظيم/ المؤسسة المعنية بتربية وصقل مهارات الشباب فى اطار المشروع الفكرى الكبير للمهدية  المتجسد فى الانصارية كطائفة دينية تستمد قوتها الاقتصادية من دائرة المهدى.

الحياة العملية

 عمل الطفل لفترة وجيزة بالنجارة ثم ما لبث ان دفعت به "دائرة المهدى" ليعمل مشغلا operator”" لمحول التلفونات الذى كان فى "الجاسر" فى الضفة الشرقية لذراع لنيل الابيض حيث الجسر الشهير المؤدى الى داخل الجزيرة أبا. وحدث ان جاء السيد الصديق المهدى وهو المدير العام للدائرة آنذاك، جاء مارا بمكتب التلفونات  وكانت تربطه معرفة بالشاب "اسحق"، فسأله: ما الذى جاء بك هنا، فأجابه: دفعت بى إدارة مشروع الجزيرة الى هنا. فقال له الصديق: ليس مكانك هنا أذهب فالتحق بالسلك الحسابى. ومن لحظتها انخرط فى مهنة الحسابات التى أجادها ضمن عدد من رفقائه من ابناء ذلك الجيل، بعد ان تدرب على يد محمد جماع آدم المدير العام لحسابات دائرة المهدى بالجزيرة ابا. وبعدها تم تعييينه كاتب حسابات بمشروع الشوال الزراعى الذى يبعد 30 كيلو شمال الجزيرة ابا على الضفة الشرقية للنيل الابيض.

وفى العام 1942 تزوج من بنت عمه الحاجة فاطمة سليمان سبيل الشيخ، وهى شقيقة الحاج عبده سليمان الذى اصيب فى احداث الجزيرة أبا 1970 وتوفى فى العام 1980، وتكبرها شقيقتها حلوم بت سليمان (اعتقد الاسم الحقيقى حليمة) وهى امرأة ذات شخصية لا تخلو من ذكاء وحنكة ودربة فى شئون الحياة، يكبرهم شقيقهم بابكر سليمان سبيل المعروفب "زغو"، وهو الآخر معروف بسرعة البديهة وله كثير من الطرف لا سيما وهو من اوائل من سكن امدرمان من هذه الاسرة.

قضى الحاج اسحق نحوا من 9 سنوات فى مشروع الشوال أنجب فيها ابنته الكبرى "مريم"، والتى حمل اسمها فصارت كنيته "ابو مريم" وابناءه "شيخ الدين"، "واسماعيل"، "وابراهيم"، وفى العام 1951 انتقل الى مدينة قلى حيث عمل محاسبا فى مشروع الفقيراب  الزراعى الذى يديره السيد عمر الطيب الامير وأخوانه.  فى قلى انجب بنته "مستقيمة"، و"عبد الرحمن"، و" طاهرة"، و"زينب"، و"ياسر" و"سليمان" وفى العام 1960 نقل الى مشروع الملاحة الزراعى فى الضفة الشرقية للنيل. واستمر حتى العام 1962 حيث استقال من دائرة المهدى، وتعاقد مع محمد الحلو موسى وعمل محاسبا لمشروعه فى بلدة الشور التى تقع فى الطريق بين الدويم وكوستى. وعندما جاءت نميرى حكومة العسكرية قامت بتأميم جميع المشاريع الخاصة حيث آلت ملكيتها الى الدولة. وتم إلحاق الموظفين بهذه المشاريع الى وزارة الزراعة وكذلك الحق العمال بوزارة الرى.

وفى العام 1972 نقل رئيسا لحسابات وحدة قلى وهى تضم كل المشاريع شمال مدينة كوستى وجنوب مدينة الدويم. ومكث بقلى حتى العام 1980 حيث نقل الى مشروع الزيداب الزراعى بولاية نهر النيل، غير انه لم يستطع تنفيذ النقلية نسبة لظروف اسرته التى من الصعب ان تنتقل معه الى شمال السودان، ولا يستطيع ان يتركها خلفه. وعليه ظل رئيسا لحسابات وحدة مشاريع قلى الى ان تقاعد فى العام 1990


حبه للمعرفة والاطلاع

للحاج اسحق معرفة واسعة على مستويين:

المستوى الاول

الالمام بالانساب داخل اسرته وعشيرته من حيث معرفتة بالاسلاف وعلاقات افراد الاسرة الحالية بعضهم البعض، ويعتبر مرجعا فى "عشيرة دوا"، ليس ذلك فحسب فهو ذو إلمام واسع وله معرفة باهل المناطق التى عمل بها قبائلها واداراتها الاهلية وأصولها وفروعها.

المستوى الثانى

كان يمتلك مكتبة بها عدد وافر من الكتب لقادة وزعماء مسلمين كبار مثل جمال الدين الافغانى ومحمد عبده والكواكبى وحجة الاسلام ابو حامد الغزالى. فى السنوات الاخيرة جمع كل هذه الكتب فى كرتونة ولم تحفظ بصورة جيدة حيث أتت عليها الارضو وأتلفت العدد الاكبر من هذه الكتب التى هى ثروة معرفية عالية القيمة.

وقد حدثنى مرارا بعد تقاعده بنيته ان يكتب كتابا حول التجارب العملية لابناء الانصار الذين ابلوا بلاء حسنا فى خدمة دائرة المهدى. وقد كان محبا للمعرفة والعلم وقد التحق بدورة تدريبية لدراسة تجويد القرآن الكريم التى نفذها معهد التأهيل التربوى بمدينة كوستى، ضمن مجموعة من المعلمين فى بداية فترة إقامته بمدينة كوستى.

 

حياته فى بلدة قلى

قلى هى بلدة صغيرة او مشروع زراعى على الضفة الغربية للنيل الابيض قبالة قرية الشوال على طريق الخرطوم كوستى. وهى المنطقة التى قضى فيها الحاج اسحق وأسرته الفترة الاطول من حياته. وهى بلدة لها تقاليد تخصها ذلك انه يربطها بمدينة كوستى طريق غير معبد يكاد ينقطع فى فترات الخريف فى السبعينات والثمانينات، وقد يضطر البعض الى المشى بارجلهم حتى كوستى فى حالة انقطاع الطريق. ولكن الطريف ان هناك بص او بصين لنقل الناس ومنقولاتهم الى السوق فى كوستى. الركاب المغادرون الى كوستى صباحا يغشاهم البص فيقلهم من منازلهم فردا فردا، وكذلك عند الرجوع ينزل كل من الركاب امام منزله فالسائق ملم بمنازل الناس/الركاب جميعا. اما الغرباء فان الكمسارى يضطر الى سؤالهم عن وجهتهم فعندما يذكرون له انهم متجهون الى منزل فلان، فلا يلبثون حتى يجدوا انفسهم امام المنزل الذى يقصدون. حدث ذلك مع كاتب هذه السطور مرارا الذى كثرا ما يزور قلى.

وفى قلى توجد أسر ذات صلة قربى مع اسرة الحاج اسحق : أولهم عديله الحاج ابراهيم  احمد المتزوج من الحاجة عائشة سليمان سبيل وهى شقيقة الحاجة فاطمة سليمان سبيل زوجة اسحق وابنة عمه. وكذلك اسرة الحاج محمد عثمان أرجه المعروف ب "أبو حوا"، وحواء هذه هى زوجة عمه عمر محمد جامع ووالدة كاتب هذه السطور. وكان المنزل الذى تقيم فيه الاسرة فسيحا يسع اكبر عدد من الضيوف، وهم من اطراف مختلفة الاقارب وكذلك اصدقاء وزملاء الابناء اسماعيل وشيخ الدين والبقية.

وفى مدينة قلى والتى قضى فيها الفترة الاهم من حياته تجلت مثابرة وعصامية الحاج اسحق فى توفير مستلزمات اسرة تزداد التزاماتها يوما يعد الآخر فى التعليم والصحة والنفقات الاخرى، وبالطبع لا نتحدث عن أسرة نووية وإنما عن اسرة ممتدة لديها اطراف فى الجزيرة ابا وغيرها. ولذلك اجتهد فى ممارسة انشطة زراعية مثله مثل اهل المنطقة فى زراعة الحبوب الذرة والقمح وربما الخضر لكفاية اسرته، علاوة على تربية بعض الحيوانات الاليفة لانتاج اللبن، وذلك لمقابلة الاحتياجات اليومية للشخص الذى يعول اطفال فى قرية تتقارب فيها مستويات الدخل، والجميع يكاد ينتمون الى طبقة واحدة، كما يشتركون فى العقيدة الانصارية.

 

وفى قلى أهتم بتعليم الابناء والبنات حتى  تخرج الابناء الكبار من الجامعات  وتقلدوا مواقع عملية وقام بتزويجهم : شيخ الدين الذى درس الاشعة التشخيصية وتزوج من ابنة خاله فاطمة عبدو، اسماعيل اسحق تخرج فى كلية الهندسة جامعة الخرطوم وتزوج الاستاذه عفاف شريف ، وابراهيم الذى درس الهندسة الزراعية بالاسكندرية وتزوج من الاستاذه  إحسان  يوسف شاوة، وعبد الرحمن الذى درس الكيمياء بجامعة الخرطوم، وطاهرة اسحق تخرجت فى كلية الصحة. أما الابناء الصغار ياسر وسليمان كانوا فى المراحل الدراسية العامة فى أثناء إقامة الاسرة بقلى.

وكانت مناسبات الزيجات تتطلب سفرا من الخرطوم والجزيرة ابا وربك، فمثلا عند زواج عبد الرحمن اسحق، والذى كان يعرف وهو صغير بعبد الرحمن "بزة"، والبزة هى قارورة زجاجية لحليب الاطفال الذين لا يرضعون رضاعة طبيعية، لحق به هذا الاسم لانه اعتمد الحليب الصناعى وهو طفل عوضا عن لبن الام. كان زواج عبد الرحمن  فى فترة الخريف التى يصعب فيه السفر، ولاجل المناسبة أتى من الخرطوم الاخ يوسف شاوة ومعه مجموعة من البنات (أذكر من بينهن أميرة موسى نمر وهى لا تزال طفلة) والنساء لحضور المناسبة، عبورا بمدينة كوستى ولكن الامطار اضطرتهم للانتظار يومين حتى تتمكن البصات من استئناف المسير. وكانت ايام للانس واستعادة الذكريات لا سيما الوالد عمر محمد جامع الذى كان كثير المزاح مع الاخ يوسف شاوة صاحب النوادر والملح.

الحياة الاجتماعية فى مدينة كوستى

بعد ان تقاعد الحاج اسحق عن الوظيفة فى مؤسسة النيل الابيض الزراعية، قرر ان يبنى منزلا بمدينة كوستى  بعد الفترة الطويلة التى قضاها بقلى، ابتنى منزلا بحى مربع "28" بالمدينة على قطعة أرض  مملوكة للمرحوم الصادق آدم زوج ابنته الكبرى ووالد الاحفاد . انتقل واسرته من قلى للاقامة هناك، ولحظتها كان الابناء الكبار يعملون فى مناطق مختلفة، وكانوا خير عون له فى مقابلة إلتزاماته المادية، لا سيما شيخ الدين أكبر الابناء العاملين، فقد كان يقتطع جزءا كبيرا من دخله لمساعدة والده، الذى من المعروف انه يعول أسرة ممتدة فيها الابناء والبنات والاحفاد. علاوة على مشاركاته الاخرى نحو ارحامه من النساء الكبار فى السن فى الجزيرة أبا. وظل معه ابنيه ياسر اسحق وسليمان، علاوة على ابنته الكبرى مريم (التى حمل اسمها فقد كان يكنى  "أبو مريم") وابنائها وبناتها.

ويذكر انه بعد التقاعد فى العام 1990 وامعانا فى المثابرة والجد لجأ الى الزراعة فى منطقة "قفا" الشهيرة بالضهرة المعروف انها المنطقة السهلية المنبسطة خارج الجزيرة ابا من الناحية الشرقية للنيل الابيض التى يحتفظ فيها سكان أبا بمزارع موسمية منتظمة. عمل الحاج اسحق لموسمين متتالين فى زراعة الذرة المحصول الرئيس فى هذه المنطقة. وكان لحظتها فى كامل صحته ونشاطه، وقد ترك العمل الزراعى الذى لا يخلو من مشقة هى طابع هذا العمل فى العام 1994 حيث بدأت تنتابه مشكلات صحية لم يتمكن بعدها العمل  فى مزارعه.

ومدينة كوستى بالطبع لم تكن غريبة عليه فمعظم أهالى كوستى والجزيرة ابا لديهم امتدادات اسرية مشتركة ولذلك فالحياة الاجتماعية كانت ثرية جدا بالنسبة  له، علاوة على وجود عمه عمر محمد جامع الذى استقر بالمدينة منذ العام  1979 وبابكر بشر واسرته، وبقية اعمامه عبد الله سبيل فى قرية "الفردوس"  وآدم سبيل فى قرية "الحديب"، ونايرة بت سبيل فى "الجزيرة ابا" . هذا كله بالاضافة الى الوجود الكثيف للانصار بالمدينة، لا سيما وانه كان من الملتزمين بالعقيدة الانصارية ومحافظا على اورادها وله اهتمام خاص بتلاوة "الراتب"، وهذا بالطبع من أثر التربية الباكرة بالجزيرة ابا. وعلى ذلك فان ارتباطه العقائدى بالانصارية أنشأ ارتباطه السياسي بحزب الامة المعبر عن هذا التوجه، ولكن ظل الالتزام الاساسى والاهتمام بالمهدية كتراث هو محور حياته الخاصة.

وشارك الحاج اسحق بفاعلية فى الحياة الاجتماعية بمدينة كوستى وتمددت علاقاته لا سيما وانه قد  كان  يعمل كما تقدم فى عدد من المناطق التى ذكرت سابقا، وتعتبر كوستى مدينة محورية لاهالى كل تلك المناطق، خاصة وهى المركز التجارى والزراعى الكبير فى المنطقة، وعليه فان معارفه من السابقين واللاحقين ظلوا فى ازدياد مضطرد. علاوة على زملاء ومعارف ابناءه الكبار.

ومن المواقف الطريفة ان زارنى الحاج اسحق ومعه الاخ يوسف شاوة، والاخ يوسف من المعروف انه اصيب بداء السكرى من فترة باكرة، حيث لم يكن منتشرا اومعروفا كما هو الان. قد كنت أقيم بحى الاندلس بمدينة كوستى، وبعد اداء التحية بدأت فى صب الشاى ووضعت ملاعق من السكر فى الكوبايتين، ولكن نبهنى الحاج اسحق الى ان يوسف مصاب بالسكرى فلا تضع له السكر فى الشاى، ولكن فيما يبدو فان الملاحظة لم تعجب يوسف، فوجه الحديث الى اسحق مباشرة :" اسحق....انت... عليك... بنفسك"، ففهمت قصده وفعلت كما يريد. والضحك يتملكنى وكذلك اسحق الذى ضحك ملء فيه.

وقد أدى الحاج اسحق فريضة الحج برفقة زوجته الحاجة فاطمة سليمان فى العام 2001. قد اكمل المناسك على اتم وجه على الرغم من المشكلات الصحية التى بدأت تنتابه. ولكن الحاجة فاطمة سليمان كانت تعى دورها فى مراعاة هذه الجوانب ولذلك كانت خير عون له فى تجاوز مشكلات الارهاق التى غالبا ما تصيب الحججاج وهم فى بيئة غير بيئتهم.


الانتقال الى امدرمان

وفى العام 2002وبعد  تقدمه فى السن والتحاق معظم الابناء والبنات باعمالهم، فكر مرة أخرى بالانتقال لمدينة امدرمان التى انتقل للاقامة فيها معظم الاهل، فابتنى له منزلا بحى "أمبدة" الشهير أيضا على قطعة أرض مملوكة للمرحوم الصادق آدم زوج ابنته الكبرى ووالد الاحفاد، بجوار الاخ يوسف شاوة ليسعه وابناءه واحفاده. اما للنسبة للاحفاد ابناء "الصادق آدم" الذى توفى فى العام 1982، فوالدتهم مريم اسحق  كبرى بناته هى واحدة من افراد الاسرة وينادونها هكذا باسمها، ويطلقون لفظ الوالدة على جدتهم فاطمة سليمان عوضا عن مريم. ونفس الامر ينطبق على الجد "اسحق"، فلم أجد أحدهم يتحدث عنه "كجد"، ولكنهم كانوا يطلقون عليه لفظ الوالد.  

وفى امدرمان كان الاحفاد قد شبوا عن الطوق وتخرجوا من الجامعات والتحقوا باعمال مختلفة داخل السودان وخارج السودان. عبد الله الصادق اكبر الاحفاد يعمل بالمملكة العربية السعودية وكذلك محمد الصادق. اما معتصم فقد انجز شهادة الماجستير بماليزيا والان فى مرحلة الدكتوراة. هشام الصادق يعمل استاذا بالمدارس الثانوية، أما البنات مرام فهى معلمة قديرة بالمدارس الثانوية بكوستى حيث تعيش الان مع زوجها المعلم ايضا، وأميرة ايضا معلمة وأميمة متزوجة وتعيش بمدينة امدرمان. كل هؤلاء بدأوا مساهمات مقدرة فى اقتصاديات الاسرة.

وفى أمبده عند زياراتى الى الحاجة فاطمة سليمان كنت غالبا ما أجد معها شقيقتها حلوم بت سليمان، وهى ابنة عمى فكانت تلومنى على انى ازور فاطمة لانها والدة شيخ الدين واسماعيل ولا ازورها هى، فكنت اقول لها "أنت بت سليمان الاولى"، ولكن حجتى لم تكن تنطلى عليها. وولكن أطرف موقف مر لى معها حين كانت فى منزل الوالد فى أمبده (وهو فى قبالة منزل زينب اسحق عليها الرحمة الواسعة) يفصلهما طريق الاسفلت ومعها فاطمة سليمان، طلبت منى توصيلهما معا بالعربة الى منزل زينب، فاستنكرت عليها حاجة فاطمة هذا الطلب، ولكنى استجبت لطلبها على الفور غير ان فاطمة سليمان لم ترافقنا فى العربة  احتجاجا على الموقف كله، وفضلت الذهاب راجلة. فهذه مواقف تعلق بالذاكرة من طرافتها، وتعكس اريحية فى التعامل، وتعكس ثقة طالب الخدمة  فى المطلوبة منه ادائها.

 

 

المرض الاخير

بدأت مشكلات صحية تنتابه منذ العام 1994 وظل يتابع دورات  العلاج طوال فترة إقامته بامدرمان وفى العام 2008 دخل مستشفى السلاح الطبى وقضى فيه فترة شهر ثم خرج الى المنزل وقد تماثل الى الشفاء. وبعد عام آخر دخل مستشفى آسيا بعد ان عاوده المرض ولفترة اسبوعين. وفى العام 2010 عاوده المرض مرة اخرى ودخل السلاح الطبى مرة اخرى وقد كانت سببا فى الوفاة. وبعد ستة اشهر لحقت به الحاجة فاطمة بت سليمان . فعليهما الرحمة جميعا.

ولكنهما خلفا رجالا ونساء هم الان ملء السمع والبصر تربطهم خصائص اهمها الترابط بل والحميمية التى ربما رضعوها من والدتهم فاطمة بت سليمان التى لا تكاد تسمع صوتها الخفيض كصوت اسحق نفسه طابعه الهدوء والحديث المتأنى الوئيد. هذه صفات جعلت هذه الاسرة تتميز عمن سواها بهذه الحميمية، لانه فى الحياة العادية تتفاوت هذه الخصائص والصفات بين الناس، ولان "كل ميسر لما خلق له"، جعل الله تعالى الابناء والبنات من صلب اسحق وفاطمة يمتازون بالعطف ورقة الطباع، وهذه قد لا يلحظها من لم يعاشر صنوف من البشر متنوعة، وليس له القدرة على الملاحظة والمقارنة. ولكنها الصفات الموروثة من هذا الرجل ذو القلب الكبير اسحق. ومن حكمة الله تعالى انه كان وحيد والديه ولكن أكرمه الله تعالى بالذرية الصالحة التى هى الان عمله الصالح الذى لا ينقطع أجره بدعاء الابناء والاحفاد له وهو فى قبره.

تغمدهما الله تعالى هو والحاجة فاطمة بت سليمان بواسع رحمته