الأربعاء، 22 يوليو 2015


السيرة الذاتية

شريف عبد الله جامع بخت - رجل البر والإحسان
1926-1964


النشاة

بدأ حياته طفلا فى الجزيرة ابا بعد وفاة والده حيث نشأ فى كنف عمه آدم جامع، هووشقيقته الوحيدة (زهرة عبد الله)، مثل عدد من اقرانه فى تلك المنطقة بالمدرسة الاولية، وفى المدرسة تميز الطفل شريف بذكاء جعل احد مفتشى التعليم البريطانيين أثناء زيارة الى مدرسة الجزيرة ابا: الى ان يرشحه لمواصلة تعليمه ببخت الرضا الى كانت مركزا تعليميا مهما فى ذلك الزمان، غير ان عمه آدم جامع لم ترق له هذه الفكرة ولذلك لم تتحقق هذه الفكرة. ثم انخرط من بعد ذلك  فى ما يعرف ب "النظام"، الذى هو التنظيم الشبابى للانصار والذى من خلاله يتم تكدير الشباب وتشريبهم الفكر الانصارى عبر تشكيلات نظامية شبه عسكرية. وقد ابدى الطفل  شريف مواهب برزت لقادته أهلته لترشيحه للفرقة الموسيقية التى لا يعرف أهل السودان لها مثيل فى ذلك الزمان لاسيما الالات النفخيه المسماة "القرب"، والتى استوردتها الدائرة من بريطانيا.



الحياة العملية

وبعد ان شب عن الطوق تم استيعابه للعمل فى حسابات مشروع الجزيرة ابا كونه من القلائل الذى تلقوا تعليما نظاميا. وكانت له علاقة وثيقة بانتاج القطن الزهرة حيث كان مكلفا ومسئولا عن عمليات حلج اقطان دائرة المهدى المنتجة فى مشروع الجزيرة ابا وغيرها فى محالج مارنجان بمدينة مدنى التى كان يسافر اليها خصيصا لهذه المهمة. فى العام 1948 فكر فى الزواج فخطبت له اسرته الحاجه خديجة عبد الله ( وهو خال لها) حيث انها ابنة اخت له (حواء ابنة عمه داوود دونى بخت) المقيمة بالتبون مع زوجها عبد لله فى الحدود بين كردفان ودارفور. وفى نفس العام تمت اجراءات الزواج واستقر مع زوجته فى ارض الشفاء احد أحياء الجزيرة ابا. وانجب فى الجزيرة ابا ابنه الاكبر عبد الله وابنته أميرة.

وعمل لفترة فى محالج سنار يبدو انه كان منتدبا من دائرة المهدى للاشراف على حلج الاقطان فيها من المشاريع التابعة لها، حيث استقر فيها لفترة مع أسرته وذكرت الحاجة رحمة حسن انها أقامت معه بسنار لفترة تساعد الحاجة خديجة فى تربية الاطفال  إدارة  شئون منزل موظف مرموق. وعندما تتأسس محلج ربك فى العام 1955 كان من اوائل الذى عملوا فى إدارة حساباته، وكان كذلك نائبا للمدير المعين عبد الرحمن محجوب. فنقل من ثم اسرته الى ربك وأقام فى حى الموظفين المسمى "العمارة". خصصت له عربه بسائق من ابناء الجزيرة ابا هو شيخ الدين اراميس.

وترك منزله فى الجزيرة ابا لتسكن فيه شقيقته (زهرة عبد الله) والتى توفى زوجها فى العام 1956. وفى ربك برز نجمه حيث اشتهر بالاحسان والبر والانفاق لاسيما على اهله وعشيرته، فقد كان ينفق انفاق من لا يخشى الفقر، فتجد من يحدثك انه كل نفقات زواجه تكفل بها، وتجد من يحدثك ان سائر اهله الذين يذهبون الى الزراعة فى "قفا" او غيرها كانوا يمرون عليه ليمدهم ببعض المال اللازم للعمليات الزراعية. ولذلك اصبح الاب الروحى لهذه الاسر وهو يغدق عليها بلا تردد فى كل اتجاه.

نشاطه بمدينة ربك

وفى ربك كانت علاقاته الاجتماعية تتوسع بحكم عمله فى المحلج الذى كان مصدر رزق لعدد كبير من الاسر بربك، علاوة على المعصرة حيث كانا (المحلج والمعصرة) مصدر الحداثة فى هذه القرية. كان رئيسا للجنة القبول لمدرسة السكة حديد الاوليه نظرا لمكانته الاجتماعية وثقة مواطنى بربك فى  وأشرف على انشاء مدرسة (نمرة 2) اخرى بربك التى كانت قرية صغيرة فى ذلك الزمن او بالاحرى محطة سكة حديد. وذكرت الوالدة الحاجة حواء محمد عثمان (زوجة اخيه عمر) انه كان اسبوعيا يشترى كميات من الفواكه ويذهب ليوزعها بنفسه على المرضى بمستشفى كوستى.

وفى ربك أنجب بقية ابناءه حافظ وعفاف ومنير وأمير. وكان منزله بالعمارة مفتوحا وقد أتعب اسرته بتبعات أكرام الضيوف الذين لا تنقطع وفادتهم ليل نهار وهو الموظف ليس الوحيد لكن الذى يقرن القرى بالبشر والترحاب. كان كثيرا ما يتردد على امدرمان لاغراض العمل او الاجازات التى كان يقضيها مع صديقه بشرى عبد الصمد، والذى استقر من فترة باكرة بامدرمان، وهو صديق طفولته منذ نشأتهم الاولى معا بحى ارض الشفاء بالجزيرة ابا.
الصورة يتوسطها عمنا شريف عبد الله وخلفه الأخ أحمد بابكر على يمينه الطفلة عفاف شريف وعلى يساره الطفل حافظ شريف ومناسبة الصورة وفق تعليق عبد الله شريف انها من نتاج استوديو صلاح المشهور بمدينة كوستى لاستخراج شهادات تسنين لعفاف واحمد كنتى الذى كان حالق صلعه فاستعانوا بطرحة عفاف ولبسوه ليها عمه.

اعماله الخاصة

كانت له استثمارات فهو حامل اسهم فى مصنع اسمنت ربك، وممولا لمشروع الرحمة الزراعى (للمملوك بالشراكة  لشريف عبد الرحمن شريك له اسمه آدم محمد ابو سته) واستمر هذا التمويل حتى آخر موسم قبل وفاته، وبعد ذلك طالب ملاك المشروع وكيل الورثة الذى هو عمر محمد جامع دفع مطلوبات ضريبية خصما على الورثة، وهو ما لم يقر به الوكيل، ما اضطرهم لاخذ اجراءات قانونية ضد الوكيل وفق انذار قانونى بواسطة المحامى يحى محمد ابراهيم  بتاريخ 12 مايو 1966.

كانت له اسهم فى مشروع "الشوافه" كشركاء مع مالك المشروع الشيخ الامين فضل السيد الذى وافق على تحويله الى شراكه، من أجل الحصول على تمويل من شركة هندسية فى الخرطوم. والشركاء عشرة كل منهم يملك سهم واحد سوى شريف يملك سهمين.

وقد قام مثلا على تسويق الاقطان المنتجة من مشروع "كوبرى" الذى يملكه محمد عبد الله حامد موسم 63-1964 لشركة كونتوميخالوس، والمبيعات بمبالغ كبيرة فى جملتها أكثر من 900 جنيها ربما هى مبيعات المشروع للموسم المذكور كاملا. وهذه بالطبع تجلى حجم الاعمال التى يديرها العم شريف فى ذلك الزمن الذى لا يتعامل فيه بالنقد الا الموظفين اصحاب الحظوة والمكانة.

كانت له ثمة شراكة مع محمد جماع آدم فى تراكتور يبدو انه يعمل فى العمليات الزراعية بمقابل عمل فيه فى مطلع 1963 كل من بشرى آدم أرباب وسليمان بخت وسلمان محمد وآدم الدومة. وكانوا يوكلون لشريف صرف استحقاقاتهم لقاء عملهم فى هذه الشراكة.

وهناك تراكتور آخر يسوقه السائق الطاهر الدومة يبدو ان الاتفاق هو تقسيم ايرادات التراكتور بواقع 67% لصالح العم شريف و33% لصالح السائق تمت تسوية الحسابات بينهما فى 1/10/1961.

الحياة الاجتماعية

ينتمى شريف الى اسرة بخت الممتدة التى هاجر نفر منها الى الجزيرة ابا بينما بقيت منهم محموعة بدارفور. والصلات بين طرفى الاسرة قوية والزيارات متبادلة وقد ابتدر هذه الزيارات شريف عبد الله الذى اصطحب والدته معه حيث زار الاهل بنيالا وزار ابن عمه اسحق عبد الله جامع نهاية الخمسينات، حيث تعرف على الطرف الدارفورى من اسرة بخت. وكذلك على أقارب والدته التى لا تنتمى بالضرورة الى هذه الاسرة.

أما فى الجزيرة أبا فنشأته فى كنف عمه آدم جامع الذى تولى أمر الاسرة بعد وفاة أخويه محمد وعبد الله وكذلك ابناء سليمان وابراهيم سبيل، وجد كل هؤلاء انفسهم فى غرف متجاورة لمنزل واحد، فنشأت بينهم إلفة وحميمية لا تكاد تتبين العلائق بينهم سوى ان تحسبهم ابناء لاب واحد. وعليه كانت هذه هى الخلفية التى لعبت دور مهم فى شكل الرابطة التى ربطت شريف عبد الله جامع وعمر محمد جامع واسحق ابراهيم سبيل، وهم فوق ذلك جمعت بينهم خاصية اخرى كونهم من طبقة الموظفين مستخدمى دائرة المهدى فى مواقع مختلفة، وهى طبقة لها مداخيل أفضل عمن سواهم، حيث يعمل غالب الاهل فى الزراعة كنشاط اقتصادى موسمى.

كان واسطة عقد هذا الثلاثى هو شريف عبد الله الذى يكبر عمر سنا، وهو كذلك عم بالنسبة لاسحق ابراهيم وعليه صار له مكانة الصدارة ان لم نقل القيادة فى هذا الثلاثى. وكان لهذا الثلاثى الاثر الاكبر فى رسم توجهات هذه الاسرة من زيجات وتدبير شئون عامة وتكافل وترابط فى المآتم  والملمات. الصف التالى لهذه المجموعة كان يشمل عبد الله خميس وعبد الرحمن ابكر ويوسف شاوا والصادق آدم وهم بمثابة الابناء لهذا الثلاثى لا يعصون لهم أمرا. وفى مراحل لاحقة انضم شيخ الدين اسحق واسماعيل اسحق ضمن دائرة المشورة او تحمل الاعباء المالية التى كانوا يخططون لها لمقابلة بعض الملمات والعاجلة.

فترة المرض

كان يعانى منذ فترة من آلام فى المعدة غير انها اشتدت عليه مطلع العام 1964 حيث لزم مستشفى كوستى لبعض الوقت، قرر بعدها ان يسافر الى القاهرة التى سافر اليها لوحده حيث تلقى العلاج بمستشفى "الجمهورية" بالقاهرة . وعند وصوله القاهرة أرسل الخطاب التالى بتاريخ 11 يونيو يشرح تشخيص الطبيب:




















 وفق البرقية الاولى التى ارسلها الى عمر جامع بتاريخ 22 يونيو 4196 التى جاء فيها

"...انتظر تعليماتى قبل القيام عنوانى مستشفى الجمهورية  الدور الاول غرفة 13. شريف جامع"

الى ان قرر له الطبيب المعالج اجراء عمليه، لحظتها ارسل برقيه  أخرى بتاريخ 24 يونيو 1964 الى عمر جامع جاء فيها ان:

"...قيامك بأول طائرة قف العملية فى انتظارك قف حول معك مائة جنيه سودانى....شريف جامع"

 ثم لحق به عمر جامع وكانت المراسلات بينهما متصلة، ورجعا سويا الى السودان بعد إجراء العملية،  حيث ما لبث ان توفى فى اكتوبر 1964 عن عمر لا يزيد الا قليلا عن اربعين عاما، وهو بذلك شهيد وفق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ذكر ان من ضمن الشهداء المبطون الذى الذى توفى بداء البطن. وترك ورثته (والدته وابناءه) أغنياء لم يحوجهم الى أحد.
  

البرقية الاولى من القاهرة يونيو 1964 مرسلة بعنوان عبد الله محمد ابوركو صاحب محلات عروس الرمال بامدرمان ميدان الربيع، يبدو انه العنوان المتفق عليه قبل سفر العم شريف للقاهرة. الى هذه اللحظة لم يتقرر اجراء عملية جراحية.



البرقية الثانية بعد تحديد اجراء العملية التاريخ غير واضح فى الختم ولكنها فى تاريخ لاحق للبرقية الاولى بنفس عنوان صالون عروس الرمال.

الصورة الفوتوغرافية

الصورة المرفقة مع هذه السيرة هى فعلا نادرة، ملاحظتى ان هذه الصورة التقطت له وهو ربما فى العقد الثالث من عمره ليس أكثر، وهى ربما أخذت فى السنوات الخمس الاخيرة من حياته القصيرة والتى لم تتجاوز الاربعين وفق تقديراتنا، ولكنها مليئة بالكثير بما يوحى للانسان ان هذا الرجل عاش العقود الطويلة، وهذه بالطبع هى البركة التى تبارك فى القليل ليربو حتى يجاوز الكثير.
وأندر من الصورة المذكورة الصورة الثانية الجماعية وقد تحصلت عليها من الأخت سامية من أمريكا والتي تحصلت عليها بدورها من نجوى عبد الله خميس وفق سامية.

ولله الحمد من قبل ومن بعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق