الاثنين، 3 نوفمبر 2025

د. محمد عمر جامع (بايوقرافى) Biography

                    

هذه محاولة لكتابة  سيرة حياة لشخص غير الكاتب خلافا للسيرة الذاتية التى يكتبها الشخص عن نفسه. اكتبها الان عن أخى الاكبر د.جامع لكن خلال ذلك أجدنى كانما اكتب عن نفسى. ومعلوم ان الاخ هو أكثر انسان يعيش معك تفاصيل حياتك كما هى منذ البداية . ولابد لى ان اقول ان اخى الاكبر الدكتور جامع كان هو معلمى الاول قبل أن أدخل المدرسة ذلك لأنى تعلمت منه مهاراتى الحياتية التى طورتها معه لاحقا. اقول ان هذا التوثيق هو بمثابة وفاء له على ما قدم لى وما أدين له به، فله التجلة والتحية .

  


                                                        صورة التخرج من كلية الطب جامعة الخرطوم


شقيقنا الأكبر د.جامع كما يسميه رفاقه اختصارا ولد منتصف خمسينات القرن الماضى، بينما ولدت انا في النصف الثانى من نفس عقد الخمسينات. وهو الابن الأكبر لولدنا من زواجه الأول من الوالدة " جدة مهدى مصرى" سليلة عشيرة العركيين من نواحى النيل الأزرق، وهى تعيش الان في قرية "عريك" الى الجنوب الغربى من مدينة سنجة.

 نشأ وترعرع الابن جامع في بلدة الجزيرة أبا مع جدتنا والدة الوالد الحاجة "خادم الله بنت نيل"، وعندما بلغ سن المدرسة اصطحبه الوالد الى مدينة الدويم حيث كان يعمل وكان الوالد لحظتها قد تزوج زوجته الثانية " حواء محمد عثمان" التي هي والدتنا، وبدأ مساره التعليمى بمدرسة الدويم الريفية، وهى المدارس الملحقة ببخت الرضا التي يتدرب فيها المعلمون الجدد. ثم بعد ان انتقل الوالد من الدويم نقل الابن محمد مرة أخرى الى الجزيرة أبا حيث التحق بمدرسة دار السلام الأولية في الحى او القرية التي تقع مباشرة الى الجنوب من أرض الشفاء حيث سكن حبوبته " خادم الله"

حى أرض الشفا

مؤسس الجزيرة أبا كقرية او بلدة هو السيد عبد الرحمن المهدى ضمن مشروعات دائرة المهدى الزراعية. ولذلك فان تسمية الاحياء لها دلالات دينية فعلى سبيل المثال : طيبة، قباء، الرحمانية، دار السلام، ارض الشفاء، الغار...الخ. ثم ان المجموعات السكانية التي استقرت في مركز الجزيرة أبا اطلقت على الاحياء أسماء القبائل التي تسكنها. فهناك فريق برتى، وفريق زغاوة، وفريق مهادة، وفريق رزيقات....الخ.

حى أرض الشفاء من الاحياء التي يسكنها خليط من السكان من قبائل شتى. أما الحاجة "خادم الله بت نيل" التي توفى عنها زوجها الأول محمد جامع في منطقة التبون التي تقع في الحدود بين دارفور وكردفان، تزوجها اخوه آدم جامع كما هو التقليد في ذلك الزمان، هي التي احتضنت الطفل محمد وهو في طور الدراسة في مراحله الأولية. وارض الشفاء يفصلها عن دار السلام 3 او 4 كيلومترات تتكون بينهما مجارى مائية تمتلىء في فصل الخريف. كان التلاميذ في تلك الأيام يحملون معهم وجبات الإفطار من منازلهم، يندلق عدد منها في الماء مع محاولات الأطفال العبور. وكان محمد يحكى لى ان بعضهم يتناول افطاره قبل العبور وهو يقول " خير من ان يتدفق في الماء"، في ذلك الصباح الباكر.

وقد كان للطفل محمد اصدقاء ورفقاء فى هذا الحى ارض الشفا نذكر منهم الفاضل عبد الله، واحمد سليمان حمر وشقيقته نفيسة سليمان حمر وقد كانوا يتفاوتون فى اعمارهم ولكن جمعهم هذا الحى. ويفصل منزل الحاجة "خادم الله بنت نيل" غربا شارع يفصل بينها وبين المسجد وقد كان فى المسجد خلوة يقوم عليها من كنا نسميه "سيدنا عبد البارى" وقد محمد عمر يذهب اليها وربما تبعته اليها.

وكانت الحاجة "بت نيل" وهى قد فقدت بصرها في فترة باكرة من حياتها، تربى عدد من الابقار في منزلها بواسطة بناتها وحفيداتها. وعندما جاء الطفل محمد الى المدرسة كانت معها فقط حفيدتها روضة أدم. وكان محمد وروضة يقومون على الاهتمام بالابقار التي عندها أسماء "بيضا" و"صفرا" و "كرتك". في بعض الأحيان يذهب الطفل محمد الى الحقول حتى ناحية الجاسر وهو يرعى الابقار واكون معه أحيانا وأحيانا أخرى الطفل منير موسى نمر الذى مكث فترة مع بت نيل في ارض الشفاء. وفي الاجازات كنا نذهب انا ومحمد الى الوالد  في الزليط بعد ان انتقل اليها من الدويم



فى منزل د.جامع بامبدة بمناسبة زيارة الاخت سامية


أكمل الطفل محمد المدرسة الأولية بمدرسة دار السلام  الأولية وامتحن الى المدارس الوسطى فألحقه الوالد بمدرسة الجزيرة أبا الوسطى في ذلك الزمان ، وكانت مدرسة أهليه كما يقال في ذلك الزمن 1968-1969. وكنت انا في الصف الرابع بمدرسة الرحمانية الأولية عندما بلغ هو الصف الرابع في المرحلة الوسطى. وكلانا على اعتاب الامتحان لمرحلة جديدة، هو الى الثانوى وانا الى الوسطى. وكنت اسكن مع جدتى لوالدتى الحاجة "فاطمة حسن" في حى الغار. ولكنى انتقلت الى ارض الشفاء في الشهور التي سبقت الامتحان. فكنا نسهر في المذاكرة مع بعض في الديوان الملاصق في منزل عمتنا زهرة جامع. وكان محمد يشترى علبة لبن اسمها "روتانا" في ذلك الزمن لعمل شاى لبن مضبوط للمساعدة على المذاكرة ليلا او هكذا كان الظن. لكن محمد بذل معى جهدا كبيرا في مادة الحساب الذى كنت لا أحبه البته، فكان يشرح لى المسائل من كتاب "حساب التلميذ" ويسألنى هل فهمت أقول له نعم ولكنى لا افهم شيئا وانا بالى في شاى اللبن.كان الوالد قد انتقل من الزليط ومكث قليلا في كوستى ثم انتقل الى سنار. وبعد الامتحان ذهبنا الى الوالد في سنار. وانتقلت انا ومحمد الى .مدارس سنار، لانى لم اتوفق في الدخول الى المدارس الوسطى، ومحمد انتقل الى ربك - وستأتى قصة ربك  لاحقا- ثم الى سنار  منها امتحن الى الثانوى. 

     1971-1968سنار المدينة  

في سنار استأجر الوالد منزلا في حي التعايشة سكنت فيه الأسرة. وكان المنزل قريبا من بحيرة خزان سنار. عندما تمتليء البحيرة نكون على الشاطي. فكان محمد ماهرا بالسباحة  وتعلمت منه العوم  في هذه البحيرة حتى كنت اقول  لرفاقي لقد سبحت في كل المسطحات المائية في السودان.  فكنا مع محمد نكاد لا نفترق. كان بالمنزل ثلاجة تعمل بالجاز وكان  المنزل مليئ بصفائح الجاز  الفارغة. فكنا سرا نأخذ هذه الصفائح الفارغة الي السوق نبيعها وبثمنا ندخل سينما سنار او نذهب إلى حديقة الخزان الجميلة. 

اما انتقال محمد من مدارس الجزيرة ابا الي ربك  فكان  بسبب ان جدتنا  "خادم الله بن نيل" تقرر ان تذهب لتعيش مع ابنتها عائشة جامع في امدرمان. كان هذا بعد أن امتحن محمد الي الثانوي ولم يوفق. فقرر الوالد أن يعيد في مدرسة عبدالملك الوسطى بربك ليمتحمن مرة أخرى. ولكنه قضى فقط ستة أشهر وتم فصله من المدرسة نتيجة مشكلة مع مدير المدرسة وصاحبها الذي اوصي لمكتب التعليم يمدني    بعدم قبول الطالب محمد باي مدرسة في مديرية النيل الازرق . وقصة فصله من مدرسة دار السلام هذه لا تزال فى ذاكرته لم ينسها ابدا لم يسامح الاستاذ عبد الملك ابدا رغم رجاءاتى المتكررة له بذلك.

في ربك قضى محمد ايام جميلة مع رفقائه أصدقائه  وكونوا مجموعة  وذهبوا للعمل في جبل مويه كعمالة زراعية. وعندما عادوا من رحلتهم تلك كانت مليئة بالقصص والمغامرات والتقشف. ولكنها كانت تجربة مفيدة وهم في أعمار باكرة كشباب مطل على الحياة من جميع أبوابها. 

 فبذل الوالد جهدا كبيرا مع مكتب التعليم في مدني حتى اقنع السلطات التعليمية بقبوله في مدرسة سنار التقاطع الوسطى. وفي هذه الفترة تفتحت على محمد ملكة الرسم فكان يقضي جل النهار يرسم اللوحات الطبيعية  منها ما يعلقه على الجدران ومنها ما يهديه الي معارفه واصدقائه. ومن مدرسة سنار التقاطع امتحن للثانوي وتم قبوله بمدرسة كوستي الشهيرة بمدرسة  كوستي القوز الثانوية.


د.جامع يتوسطنا وأخانا الاصغر شريف الصورة فى كوستى مربع 8 بمناسبة عيد الاضحى أيام النزوح  

مدرسة كوستى القوز وجامعة الخرطوم

مدرسة كوستى الثانوية تعتبر من المدراس الثانوية الشهيرة من الجيل الثانى للمدارس الثانوية التي أنشأت في نظام عبود، حيث كان الجيل الأول يضم حنتوب وخور طقت ووادى سيدنا. وكان محمد في القسم الداخلى بالمدرسة. وقد سبقه إليها ابن عمنا عبدالله شريف جامع وكذلك المرحوم صلاح علي ادم. كنت أزور محمد  وانا من الجزيرة أقضى معه يومى الخميس والجمعة في الداخلية. والمدرسة تقع في قوز أبو شريف وكانت أبو شريف هي قرية مجاورة لمدينة كوستى لكنها الان أصبحت من أحياء المدينة. وكان القبول في المدارس في ذلك الزمان يتم عبر الراديو حيث لكل طالب رقم مسلسل تذاع أرقام الطلاب المقبولين وليس اسماءهم. وكانت هذه الإذاعة مشرفة للطلاب الناجحين. ألطالب محمد إذيع اسمه وكنا لحظتها في ربك.

في هذه المدرسة تفتح ذهن الطالب محمد ونضجت ملكاته العلمية فتقدم الي المساق العلمي الأحياء الذي هو المدخل إلى الجامعة. جلس لامتحان الشهادة السودانية واحرز نتيجة اهلته لدخول  جامعة الخرطوم  في  ذلك الزمن منتصف السبعينات.  وكان الدخول إلى جامعة الخرطوم من الصعوبة بمكان. لان كل طلاب السودان يتنافسون على جامعة حكومية واحدة هي ج الخرطوم وجامعة امدرمان الإسلامية وجامعة القاهرة فرع الخرطوم. ومن اصل ٦٠ الف طالب كانت هذه الجامعات الثلاثة في مقدورها استيعاب اقل من ٣ الف فقط.  وهناك قلة من الموفقين يحظون بمنح دراسية خارج السودان. في تلك الفترة بداية السبعينات تم قبولي بمدرسة البحر الأحمر الثانوية في بورتسودان، وكانت البلد بها مظاهرات ثورة شعبان والصراع بين نظام مايو وبقية الاحزاب السياسية لاسيما في المدرسة. وكان هناك نشاط سياسي لناس الاتحاد الاشتراكي. فنصحني محمد نصيحة مهمة الا انتمي الي حزب الاتحاد الاشتراكي لانه سيأتي اليوم الذي يصير فيه الاتحاد الاشتراكي سبة على الإنسان. فاخذت بنصيحته وانتفعت بها. 

 عموما كان نظام الدخول الى الجامعة عن طريق ما يعرف " البوكسن"  وهو مجموع ثلاث من مواد التخصص .  تمكن محمد من الدخول الى جامعة الخرطوم الى  كلية العلوم التي تعتبر تمهيدي للكليات العلمية  .  وكان محمد في القسم الداخلى كان يترأي لي ان كل طلاب الجامعة يسكنون في داخليا ت الجامعة التي كانت تقدم كل الخدمات للطلاب  من سكن واعاشة وعلاج بصفة مجانية. وكانت تلك هي الحقبة الذهبية  لطلاب جامعة الخرطوم حتى اسموها " الجميلة ومستحلة" على اغنية الفنان محمد وردي. بينما كانت جامعة ام امدرمان الإسلامية تسمى " فاقدين حنان" ، اما جامعة جوبا ولبعدها عن وسط السودان كان اسمها "غربة وشوق". والقصص والحكاوي كثيرة عن داخليات جامعة الخرطوم ويقال ان هناك سائقي تاكسي يتناولون وجبات في هذه الداخليات. وقد سمعت احد الطلاب الجنوبيين يقول ان أصعب حاجة في هذه الجامعة هو كيف تختار الرغيف المناسب قالها بالانجليزية

 the most difficult thing in this University is how to choose bread.    ذلك ان الخبز في سفرة الجامعة من نوع خاص ولذلك تحتار وانت تختار من بينها ما يناسبك. 

انتهى محمد من كلية العلوم وجلس لامتحانها النهائي فاحرز درجات عالية جعلته مؤهلا لدخول كلية الطب البشري وهي الكلية التي يتمنىاها كل الطلاب. ولذلك تتطلب درجات عالية. فكان يقال لهؤلاء الطلاب المقبولين في هذه الكلية انهم  صفوة الصفوة 

cream of the cream.                                                                

 وكم كان الوالد سعيدا بهذه النتيجة المشرفة. ودخل بموجبها الى كلية الطب والي داخليتها حسيب والرازي. واكتسب محمد في هذه الكلية لقب "البريطاني"  لا أدري لكني رجحت ان ذلك له علاقة بفهمه للغة الإنجليزية التي كانت هي لغة التدريس في كل الجامعة في تلك الفترة.



الصورة فى مسجد كوستى العتيق بعد صلاة العصر وهو يعمل فى معمل بالقرب من المسجد

وكلية  الطب هي  ٦ سنوات من أطول انواع الدراسة الجامعية. ذهبت انا الي جامعة جوبا خلال هذه الفترة. فكنت أزوره في الداخلية وانا ذاهب او قادم من جوبا. او نلتقي في بورتسودان في الاجازات حيث مكان عمل الوالد والأسرة.  وكان لمحمد أصدقاء  اذكر منهم  من أبناء الجزيرة أبا زميل له اسمه "السيوري" لعله من أسرة الشيخ "علي السوري" من أئمة مسجد الكون. وكان له صديق اخر اسمه "شداد" وشداد لم  يعجبه قبولي بجامعة جوبا فكان يقول لي هي مدرسة ثانوية عليا جدا. واذكر ان قدم إلينا في بورتسودان في تلك الفترة ابن عمنا الأخ عبد الله شريف جامع في طريقه الي المجر  لدراسة الهندسة الكيميائية بعد أن قضى عام واحد في جامعة الخرطوم

في أثناء هذه الفترة تم نقل الوالد الي  كوستي في العام ١٩٧٩. فكنا نحضر الي كوستي في الاجازات محمد من جامعة الخرطوم وانا من جامعة جوبا. كان المنزل في حي النصر مربع ٧. بجوار مدرسة أولية للبنات اسمها "مدرسة ج" ولكن لشهرة مديرتها اسموها مدرسة صفية اسكودر". التي التقيتها في العام ٢٠٢٤ حيث سكنت بالقرب من منزلها في حي النصر مربع ٨ ونحن في النزوح، قالت لي وهي" تتحرك على كرسي  " انت اخوك الكان في الجامعة كان بيطلب مني  مفاتيح المدرسة عشان يذاكروا فيها". يا لها من ذاكرة حديدية تتذكر اشياء مضت عليها ٤ عقود وأكثر.

وفي كلية الطب  جامعة الخرطوم تزامل مع عدد ممن أصبحوا مشاهير في السياسة منهم عبدالحليم المتعافي  والجميعابي ومطرف صديق  وهم من الأطباء الذين دخلوا المجال السياسى. لكن محمد كطالب طب لم يعرف عنه نشاط سياسي او انتماء حزبي على الرغم من علو صوت الاحزاب السياسية في تلك الفترة لا سيما الصراع  التاريخي المحموم بين اليمين واليسار علاوة على نشاط الإخوان الجمهوريين.

تخرج محمد من كلية الطب في العام  ١٩٨٠ ثم انتقل مباشرة إلى مدينة الأبيض ليبدأ حياته العملية كطبيب تحت التدريب. وكان من الابيض يرسل لي مصروف شهري وانا في جوبا عبر البوسته. وطبعا الأمور كانت طيبة معانا في جوبا ما عندنا التزامات كتيرة لأننا داخليين  وأكثر من ذلك لدينا ما يسمى في ذلك الزمن بيرسري كنت أصرف 14 جنيه شهريا من ميزانية الجامعة .ا.

الحياة العملية 

بدأ جامع عمله كطبيب امتياز في مدينة الأبيض والتي ربما يزورها لأول مرة، حيث بدأ أولى خطواته العملية في الحقل الطبي. الامتياز هو عام كامل ولم يكمله في الأبيض ورجع لاستكماله في مستشفى سوبا الجامعي بالخرطوم. وبالنتيجة تم  تسجيله في المجلس الطبي السوداني لممارسة العمل كطبيب عمومي.. وكنت في تلك الفترة بمدينة كوستي اقترحت عليه شراء قطعة أرض تكون له في مستقبل الايام  وفعلا ارسل لي مبلغ "واحد الف جنيه سودانى" وكان يكفي لشراء قطعة أرض في مربع ٤١. ثم تم نقله من بعد ذلك إلى مدينة نيالا وهناك التقي بمجموعة الاهل في المدينة وكان مصدر فخرهم ان جاء ابنهم كطبيب في المدينة. وسرعان ما أطبقت شهرته الآفاق وافتتح عيادة خاصة كانت قبلة لمجموعة الاهل والمعارف عموما بالمدينة.  استطاع في مدينة نيالا ان يحوز على ثقة اهلها حتى عندما انتقل الى الخرطوم لاحقا ظل اهل نيالا يمثلون قطاعا كبيرا من المترددين على عيادته. ومن نيالا عمل علي شراء منزل بمدينة امدرمان   محافظة امبده وأعاد بنائه.

وبعد ذلك تزوج محمد من ربك من ابنة أخيه بن عمه "نجاة عبدالله" الشهيرة ب "نجاة جدو". وكانت مناسبة الزواج في ربك. وبعد  المناسبة طلب مني العريس وهو متوجه إلى شهر العسل ليستقل البص من كوستي ان أوصل العروسين بعربة احد أصدقاء العريس الي كوستى ليستقل البص من هناك والمسافة من ربك الي كوستي فقط ١٠-١٥ كيلو  ولكن الكوبري بين المدينتين كان يمثل تحديا. طبعا هذا الكبري الجديد. فتوكلت على الله تعالى  وأخذت العروسين في العربة في أطول مسافة اسوقها كسائق وليس كمتدرب. مع انى كنت حديث عهد بالسواقة الحمد لله أوصلتهم المحطة وأرجعت العربة الي صاحبها.ا

وفي نيالا استقدم محمد أخانا الأصغر شريف من كوستي  ليواصل دراسته الثانوية  في نيالا. ولكنه لم يستمر فيها كثيرا. وكان قصد محمد ان  يلحقه بمدرسة ثانوية خاصة ولكن عند زيارة أخواتنا مني وفاطمة وسمية كان من رأيهن بإصرار أن يرجع شريف الي كوستي بحجة أنهن سيساعدنه في المذاكرة وعلى ذلك رجع شريف الى كوستى. 

من بعد ذلك زرت محمد في نيالا في منزله الذي فيه  عيادته في حي الجمهورية من الأحياء العريقة في المدينة. في ذلك الزمن لم ألتق بالأخ عبدالله صالح او إدريس صالح الذين التقيتهم في زياراتي اللاحقة للمدينة. وفي العام ١٩٨٨ تم اختيارمحمد للتخصص فرجع الي الخرطوم الي الدراسات العليا كلية الطب حيث نال الدكتوراة في علم الأمراض في العام  ١٩٩٢.

وفي نفس العام كانت صحة الوالد قد تدهورت فقضي زمنا في مستشفى سوبا ثم مستشفى المناطق الحارة ولكن كانت الاقدار بيد الله ان ينتقل إلى الرفيق الأعلى في نفس هذا العام في مستشفى المناطق الحارة بمدينة امدرمان. فكان العزاء لمدة يوم واحد في منزل محمد بامبدة الحارة العاشرة ثم انتقل العزاء الي كوستي منزل الوالد.  

ثم التحق بعد ذلك بالمستشفى الصيني بامدرمان وابتني منزلا اخر بالقرب من المستشفى  وافتتح فيه عيادة. وبما ان المنزل من عدة أدوار اتسع لعدد من العيادات.  ثم فكر من بعد ذلك الالتحاق بالجامعات وكان يقوم بتدريس كورسات في جامعة امدرمان الإسلامية والنيل الأبيض وجامعات أخرى. وعرض عليه زميله بروف بابكر مدير جامعة جوبا التقديم للالتحاق بها فاستشارني في الأمر ولكني لم اتحمس لذلك وعلى الرغم ان الجامعة كانت في الخرطوم منذ ١٩٨٦ ولكن كان دائما هناك حديث عن انها ستعود الي جوبا، وعلى ذلك لم أكن اريد له السفر إلى جوبا وتربية أبناءه هناك. فاخذ نصيحتي وصرف النظر عنها. ولم يلبث قليلا حتى تم تعيينه في كلية الطب جامعة الزعيم الازهري. وتوسعت اهتماماته وصار قليلا من ما يجد وقتا للزيارات او المناسبات الاجتماعية.كان ينظم زياراته بصفة دورية الي الوالدة جدة مهدي في منطقة سنجة قرية عريك. واحيانا يسافر بعربته الخاصة رفقة أبناءه. ومن قبل ذلك ذهبنا معه لزيارتها وكان معنا الأخ حبيب موسى نمر. 

وفي منزله جوار المستشفى الصيني كنت أمر عليه في طريقي إلى السوق الشعبي تقريبا بصفة أسبوعية وكان في الصباح في الغالب ما يكون جالسا على كرسي أمام باب الشارع. انزل لأسلم عليه أحيانا. مرة من المرات كانت معي ابنتي هبة ونحن في الطريق قلت لها ذاك عمك محمد. فردت على " ...لكن يا ابوي عمي محمد متين نزل المعاش.....". ولم يكن قد نزل المعاش بعد ولكن في ذهن ابنتي ان الجالسين على الكراسي في الشارع هم أصحاب المعاشات. 

 وفي جامعة الزعيم الازهري تخرجت ابنته نايله جامع واعقبتها اختها الصغرى سارة و تزوجتا كلتيهما وكذلك تزوجت سلمي جامع. وتوسعت الأسرة بقدوم الاصهار والاحفاد منهم من هم داخل السودان ومنهم خارج السودان. تمكنت والدتهم نجاة من إكمال دراستها الجامعية في إنجاز فريد وصبر وقوة تحمل.

وخلال فترته العملية كان د.جامع مشاركا فى عدد من المؤتمرات وورش العمل الخاصة ب علم الامراض داخل السودان وخارجه لا سيما ماليزيا واليونان وسوريا وتركيا وتونس. وبعد ان نزل المعاش خلال ال 5 أعوام الماضية تفرغ للعمل بعيادته التى هى فى الطابق الارضى من نف المنزل.

الطريق إلى الأمام

لا تزال  الحياة مستمرة بابقاع متوازن الي ان أتت حرب أبريل ٢٠٢٣ فتناثر كل شي. ذهب هو الى جمهورية مصر وانا فى سلطنة عمان، وبقية اخوانتا فى مصر. نسأل الله تعالى أن يجمع شملنا. اكتب هذه الكلمات في خواتيم أكتوبر ٢٠٢٥ في مدينة صحار سلطنة عمان وقد أتيناها في هجرة قسرية ، 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق